سورة النمل - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النمل)


        


{فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُواْ ءالَ لُوطٍ} أي لوطاً ومتبعيه فخبر {كان} {جواب} واسمه {أن قالوا} {مّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} يتنزهون عن القاذورات ينكرون هذا العمل القذر ويغيظنا إنكارهم. وقيل: هو استهزاء كقوله {إِنَّكَ لأَنتَ الحليم الرشيد} [هود: 87] {فأنجيناه} فخلصناه من العذاب الواقع بالقوم {وَأَهْلَهُ إِلاَّ امرأته قدرناها} بالتشديد سوى حماد وأبي بكر أي قدرنا كونها {مِنَ الغابرين} من الباقين في العذاب {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَرًا} حجارة مكتوباً عليها اسم صاحبها {فَسَاء مَطَرُ المنذرين} الذين لم يقبلوا الإنذار.
{قُلِ الحمد لِلَّهِ وسلام على عِبَادِهِ الذين اصطفى} أمر رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم بتحميده ثم بالصلاة على المصطفين من عباده توطئه لما يتلوه من الدلالة على وحدانيته وقدرته على كل شيء وهو تعليم لكل متكلم في كل أمر ذي بال بأن يتبرك بهما ويستظهر بمكانهما، أو هو خطاب للوط عليه السلام بأن يحمد الله على هلاك كفار قومه ويسلم على من اصطفاه الله ونجاه من هلكتهم وعصمه من ذنوبهم {ءَآللهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} بالياء: بصري وعاصم. ولا خير فيما أشركوه أصلاً حتى يوازن بينه وبين من هو خالق كل شيء، وإنما هو إلزام لهم وتهكم بحالهم وذلك أنهم آثروا عبادة الأصنام على عبادة الله تعالى ولا يؤثر عاقل شيئاً على شيء إلا لداع يدعوه إلى إيثاره من زيادة خير ومنفعة، فقيل لهم مع العلم بأنه لا خير فيما آثروه وأنهم لم يؤثروه لزيادة الخير ولكن هوى وعبثاً لينبهوا على الخطأ المفرط والجهل المورط، وليعلموا أن الإيثار يجب أن يكون للخير الزائد، وكان عليه الصلاة والسلام إذا قرأها قال: «بل الله خير وأبقى وأجل وأكرم» ثم عدد سبحانه الخيرات والمنافع التي هي آثار رحمته وفضله فقال:


{أَمَّنْ خَلَقَ السماوات والأرض} والفرق بين (أم) و(أم) في {أما يشركون} و{أمن خلق السماوات} أن تلك متصلة إذ المعنى أيهما خير، وهذه منقطعة بمعنى (بل) والهمزة، ولما قال الله خير أم الآلهة قال بل أمن خلق السماوات والأرض خير، تقريراً لهم بأن من قدر على خلق العالم خير من جماد لا يقدر على شيء {وَأَنزَلَ لَكُمْ مّنَ السماء مَاءً} مطراً {فَأَنبَتْنَا} صرف الكلام عن الغيبة إلى التكلم تأكيداً لمعنى اختصاص الفعل بذاته وإيذاناً بأن إنبات الحدائق المختلفة الأصناف والألوان والطعوم والأشكال مع حسنها بماء واحد لا يقدر عليه إلا هو وحده {بِهِ} بالماء {حَدَائِقَ} بساتين، والحديقة: البستان وعليه حائط من الإحداق وهو الإحاطة {ذَاتُ} ولم يقل (ذوات) لأن المعنى جماعة حدائق كما تقول النساء ذهبت {بَهْجَةٍ} حسن لأن الناظر يبتهج به. ثم رشح معنى الاختصاص بقوله {مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُواْ شَجَرَهَا} ومعنى الكينونة الانبغاء أراد أنّ تأتّى ذلك محال من غيره {أءلاه مَّعَ الله} أغيره يقرن به ويجعل شريكاً له {بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} به غيره أو يعدلون عن الحق الذي هو التوحيد و{بل هم} بعد الخطاب أبلغ في تخطئة رأيهم.
{أَمَّن جَعَلَ الأرض} وما بعده بدل من {أمن خلق} فكان حكمها حكمه {قَرَاراً} دحاها وسواها للاستقرار عليها {وَجَعَلَ خِلاَلَهَا} ظرف أي وسطها وهو المفعول الثاني والأول {أَنْهَاراً} وبين البحرين مثله {وَجَعَلَ لَهَا} للأرض {رَوَاسِىَ} جبالاً تمنعها عن الحركة {وَجَعَلَ بَيْنَ البحرين} العذب والمالح {حَاجِزاً} مانعاً أن يختلطا {أءلاه مَّعَ الله بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} التوحيد فلا يؤمنون {أَمَّن يُجِيبُ المضطر إِذَا دَعَاهُ} الاضطرار افتعال من الضرورة وهي الحالة المحوجة إلى اللجأ. يقال اضطره إلى كذا والفاعل والمفعول مضطر، والمضطر الذي أحوجه مرض أو فقر أو نازلة من نوازل الدهر إلى اللجأ والتضرع إلى الله، أو المذنب إذا استغفر، أو المظلوم إذا دعا، أو من رفع يديه ولم ير لنفسه حسنة غير التوحيد وهو منه على خطر {وَيَكْشِفُ السوء} الضر أو الجور {وَيَجْعَلُكُمْ حُلَفَاء الأرض} أي فيها وذلك توارثهم سكناها والتصرف فيها قرناً بعد قرن، أو أراد بالخلافة الملك والتسلط {أءلاه مَّعَ الله قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ} وبالياء: أبو عمرو، وبالتخفيف: حمزة وعلي وحفص. و(ما) مزيدة أي تذكرون تذكراً قليلاً.


{أَمَّن يَهْدِيكُمْ} يرشدكم بالنجوم {فِى ظلمات البر والبحر} ليلاً وبعلامات في الأرض نهاراً {وَمَن يُرْسِلُ الرياح} {الريح} مكي وحمزة وعلى {بشرًا} من البشارة وقد مرّ في (الأعراف) {بَيْنَ يَدَىْ رَحْمَتِهِ} قدام المطر {أءلاه مَّعَ الله تَعَالَى الله عَمَّا يُشْرِكُونَ أَمَّن يَبْدَأُ الخلق} ينشيء الخلق {ثُمَّ يُعِيدُهُ} وإنما قيل لهم {ثُمَّ يُعِيدُهُ} وهم منكرون للإعادة لأنه أزيحت علتهم بالتمكين من المعرفة والإقرار فلم يبق لهم عذر في الإنكار {وَمَن يَرْزُقُكُم مّنَ السماء} أي المطر {والأرض} أي ومن الأرض النبات {أءلاه مَّعَ الله قُلْ هَاتُواْ برهانكم} حجتكم على إشراككم {إِن كُنتُمْ صادقين} في دعواكم أن مع الله إلهاً آخر.
{قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِى السماوات والأرض الغيب إِلاَّ الله} {من} فاعل {يعلم} و{الغيب} هو ما لم يقم عليه دليل ولا أطلع عليه مخلوق مفعول و{الله} بدل مِن {مَن} والمعنى لا يعلم أحد الغيب إلا الله. نعم إن الله تعالى يتعالى عن أن يكون ممن في السماوات والأرض ولكنه جاء على لغة بني تميم حيث يجرون الاستثناء المنقطع مجرى المتصل ويجيزون النصب والبدل في المنقطع كما في المتصل ويقولون ما في الدار أحد إلا حمار. وقالت عائشة رضي الله عنها: من زعم أنه يعلم ما في غد فقد أعظم على الله الفرية والله تعالى يقول: {قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِى السماوات والأرض الغيب إِلاَّ الله}. وقيل: نزلت في المشركين حين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وقت الساعة {وَمَا يَشْعُرُونَ} وما يعلمون {أَيَّانَ} متى {يُبْعَثُونَ} ينشرون.

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11